هل أصبحنا مجرد أرقام في عالم الخوارزميات؟

 



في كل يوم، تتبعنا الخوارزميات في كل مكان نذهب إليه على الإنترنت. من فيديوهات تيك توك التي تقترحها عليك، إلى المنتجات التي تظهر في إعلانات فيسبوك، وصولاً إلى الأخبار التي تقرأها في خلاصتك. هذه الخوارزميات تعرف عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا، فهي تسجل كل نقرة، وكل عملية بحث، وكل ثانية تقضيها على الشاشة، لتبني صورة دقيقة عن اهتماماتك وتفضيلاتك.

لكن، هل فكرت يومًا أن هذا التتبع المستمر، والذي يُقدّم إلينا على أنه "تخصيص" لمحتوى يناسبنا، يسرق منا شيئًا ثمينًا: الصدفة؟

في الماضي، كانت الصدفة هي محرك الاكتشاف. كنا نكتشف أغنية جديدة على الراديو لم نكن نعرف عنها شيئًا، أو كتابًا في مكتبة عامة لم يخطر ببالنا أن نقرأه، أو حتى صديقًا جديدًا تعرفنا عليه في لقاء عابر. هذه التجارب العشوائية كانت توسع آفاقنا وتكسر روتيننا.

اليوم، تغير كل شيء. لقد أصبح كل محتوى نستهلكه مُصمّمًا خصيصًا ليناسب اهتماماتنا المحددة مسبقًا. تُصنفنا الخوارزميات في فئات محددة وتُطعمنا بما يتوافق معها، مما يضعنا في "فقاعة الفلترة" (Filter Bubble). هذه الفقاعة تجعلنا نرى فقط ما نريد أن نراه، وتعزز معتقداتنا الحالية، وتجعلنا نجهل وجهات النظر الأخرى. بعبارة أخرى، نحن نُحاصر في عالم رقمي يعكسنا تمامًا، مما يقلل من فرصنا للنمو، والاكتشاف، والتفاعل مع أفكار جديدة.

ثمن الراحة: فقدان الهوية



الخطر الأكبر يكمن في أننا أصبحنا نعتمد بشكل كامل على هذه الخوارزميات في اتخاذ قراراتنا. لم نعد نحن من نختار المحتوى، بل المحتوى هو من يختارنا بناءً على تحليل بياناتنا. هذا الاعتماد قد يؤدي إلى فقدان الإحساس بالهوية الفردية، ويجعلنا مجرد أرقام تُضاف إلى قاعدة بيانات ضخمة تُدار بواسطة أنظمة ذكاء اصطناعي.

كيف نكسر الحلقة؟

هل هناك مخرج من هذه الفقاعة؟ نعم، ولكن الأمر يتطلب وعيًا وجهدًا. يمكنك أن تبدأ بخطوات بسيطة:

  1. اكتشف خارج الفقاعة: ابحث عن محتوى لا تقترحه عليك الخوارزميات. اقرأ كتابًا من نوع أدبي لم تعتد عليه، أو استمع إلى موسيقى من ثقافة مختلفة، أو تابع شخصيات لا تتوافق آراؤها مع آرائك تمامًا.

  2. كن انتقائيًا: لا تستجب لكل إشعار أو اقتراح. تحكم في وقتك الرقمي بدلاً من أن يتحكم هو فيك.

  3. تواصل حقيقيًا: خصص وقتًا للتواصل المباشر مع الناس خارج العالم الرقمي. اللقاءات الحقيقية هي أفضل وسيلة لكسر الجمود الفكري واكتشاف وجهات نظر جديدة.

الخوارزميات أداة قوية، ولكنها لا يجب أن تكون هي المتحكم في حياتنا. حان الوقت لنأخذ خطوة للخلف ونتساءل: ما هي آخر مرة اكتشفت فيها شيئًا جديدًا لم تقترحه عليك خوارزمية؟

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الذكاء الاصطناعي: نهاية 2024 وبداية 2025

عيش الغراب (الفطر): أنواعه، زراعته، وفوائده الصحية

اخر ما وصل آلية الحاسب الآلى عام ٢٠٢٤